في التاسع والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر عام 1947، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار رقم (181) الذي يقضي بتقسيم فلسطين التاريخية إلى دولتين؛ واحدة عربية فلسطينية والثانية يهودية، وينص القرار على أن تحصل الدولة اليهودية على 56,47% من أرض فلسطين، أما الدولة العربية فقد منحت 43,53% من الأرض، كما تقرر أن تصبح مدينة القدس كلها تحت الإشراف الدولي.
شعور الفلسطينيين بالظلم دفعهم إلى رفض القرار بأشكال مختلفة، في حين شرعت المنظمات الصهيونية المتطرفة بممارسة أبشع مجازر التطهير العرقي، بهدف تشريد الفلسطينيين من مدنهم وقراهم، في المناطق التي أصبحت ضمن أراضي الدولة اليهودية، وفي سياق هذه الخطة تم ارتكاب سلسلة من المذابح، أبرزها مذبحة قرية دير ياسين غرب القدس في 9 نيسان/ابريل من عام 1948م، والتي راح ضحيتها عشرات المدنيين الفلسطينيين الأبرياء.
دائرة العنف هذه لم تبدأ -على أية حال- مع هذا القرار وتداعياته، بل قبل ذلك بثلاثة عقود، وبالتحديد عام 1917 عندما وعدت بريطانيا العظمى يهود العالم بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين فيما يعرف بوعد بلفور المشؤوم ، وتم البدء بتنفيذ هذا الوعد على الأرض في ظل سلطة الانتداب البريطاني، وذلك بتكثيف الهجرة اليهودية، والاستيلاء على الأرض الفلسطينية. مقابل هذا المخطط تبلورت الحركة الوطنية الفلسطينية، وطورت مع الوقت أشكالا مختلفة للمقاومة.
التطور الأخطر في هذه الحقبة هو نكبة الشعب الفلسطيني عام 1948، بعد أن قررت بريطانيا إنهاء انتدابها لفلسطين في 15/أيار من عام 1948م، واندلاع الحرب العربية - الإسرائيلية الأولى، التي كان من نتائجها تشريد أكثر من 800ألف فلسطيني من قراهم ومدنهم، واستيلاء المنظمات الصهيونية المسلحة على 78% من أرضنا الفلسطينية، بما فيها الجزء الغربي من القدس، كما تم ضم ما تبقى من الأرض الفلسطينية إلى دول الجوار (الضفة الغربية للمملكة الأردنية الهاشمية، وقطاع غزة تحت الإدارة المصرية). وبذلك اختفت فلسطين عن خارطة الشرق الأوسط جغرافياً وسياسياً، كما تم طمس الهوية الوطنية الفلسطينية، وتحولت الغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني إلى لاجئين في الدول العربية المجاورة؛ الأردن وسوريا ولبنان، وبنسبة أقل في مصر والعراق ودول عربية وعالمية أخرى.
وفي حرب حزيران/يونيو 1967 احتلت اسرائيل الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، إضافة إلى هضبة الجولان السورية وصحراء سيناء المصرية، ومرة أخرى دفع الشعب الفلسطيني ثمن هذه الحرب من خلال نزوح ربع مليون فلسطيني إلى الأردن، مما عمق المأساة والصراع في الشرق الأوسط برمته.
الثورة الفلسطينية المعاصرة:
بالرغم من هذا التطور الخطير، إلا أنَّ الشعب الفلسطيني حافظ على تمسكه بهويته الوطنية، وحلمه في العودة إلى فلسطين، وفي عام 1964 تم تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية بقرار من القمة العربية .
وفي فجر الأول من كانون ثاني /يناير عام 1965 أفاق الشعب الفلسطيني والعالم بأسره على صوت يعلن انطلاق الثورة الفلسطينية المسلحة، وهنا برز دور القائد الشهيد ياسر عرفات؛ ليرسم الخارطة السياسية من جديد، كانت البندقية الفلسطينية لا تعرف النوم ، واستطاع هذا القائد أن يحول خيام اللاجئين من أمكنة بؤس تنتظر هيئات الإغاثة الدولية إلى مشاعل أمل تحلم بالعودة ، وتزرع التصميم والإرادة على حتمية تحرير الارض وعودة اللاجئين إلى بيوتهم وقراهم. وانطلقت الكوكبة تلو الكوكبة لتعمد بدماء الشهداء طريق الثورة.
وما أن مضت بضع سنوات حتى أصبح هذا القائد رئيسا لمنظمة التحرير الفلسطينية، التي أصبحت فيما بعد بفضل نضالات طويلة ومريرة على كافة الاصعدة ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده،
وكان للدبلوماسية الفلسطينية إلى جانب البندقية المقاومة الدور الاكبر في إعادة اسم فلسطين على الخريطة السياسية العربية والعالمية، بل وأصبحت منظمة التحرير الفلسطينية الرقم الصعب الذي لا يمكن تجاوزه في المنطقة.
لم تقتصر مسيرة منظمة التحرير الفلسطينية على حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح رغم أنها كانت العمود الفقري للمنظمة، فقد ظهرت عدة حركات فلسطينية مقاومة وضعت بصماتها في خندق النضال الفلسطيني، فكانت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وغيرها من الفصائل الوطنية التي توحدت تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية.
في عام 1974 اعترفت الأمم المتحدة بمنظمة التحرير الفلسطينية، بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ومنحتها صفة مراقب في المنظمة الدولية ومؤسساتها المختلفة، وفي نفس العام تم استكمال الاعتراف العربي بالمنظمة، وتبعه الاعتراف الدولي شبه الشامل.
وفي نهاية عام 1987 اندلعت الانتفاضة الشعبية الأولى كرد على الاحتلال الإسرائيلي وممارساته التعسفية، ومعبرة عن إرادة الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال الوطني. أدت هذه الانتفاضة إلى تفهم أعمق للقضية الفلسطينية من قبل المجتمع الدولي، وأثرت على الوعي الإسرائيلي، الذي بدأ يدرك أنه لا يمكن الاستمرار بالسيطرة على شعب آخر، كما فتحت الطريق أمام القيادة الفلسطينية لاتخاذ قرارات حاسمة تجاه التفاوض مع اسرائيل.
اتخذت منظمة التحرير الفلسطينية قرارا تاريخيا عبر المجلس الوطني الفلسطيني (برلمان المنفى) بالاعتراف بقرارات الأمم المتحدة الخاصة بالقضية الفلسطينية والصراع العربي - الإسرائيلي وفي مقدمتها قراري: 242 و 338 وكافة قرارات الجمعية العامة بما فيها القراران:181 و 194 كأساس لأية تسوية سياسية مع اسرائيل، وهذا ما فسر أن المنظمة قد قبلت بنهج التفاوض، كما تم إعلان دولة فلسطين المستقلة في المنفى على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية المحتلة.
وفي 13 أيلول/ سبتمبرمن عام 1993 اتخذت قيادة المنظمة قرار توقيع اتفاق إعلان المبادئ (اتفاق أوسلو) في البيت الأبيض، وهو الاتفاق الذي أعطى الشعب الفلسطيني فرصة إقامة سلطتهم الوطنية على أرضهم. وضمن مسلسل الاتفاقات جاء اتفاق غزة – أريحا أولا في 14 أيار/ مايو 1994 والذي سمح بإقامة السلطة الفلسطينية في قطاع غزة وأريحا، وفي اتفاق المرحلة الانتقالية الذي وقع في 28 أيلول/ سبتمبر 1995 والذي وسع نطاق السيادة الفلسطينية لتشمل المدن والبلدات الفلسطينية.
ومن أهم القضايا التي ينص عليها اتفاق المرحلة الانتقالية، هو تأسيس مجلس تشريعي فلسطيني يتألف من 88 عضوا، يمثلون كل المناطق الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة بما فيها القدس الشرقية المحتلة، وهذا يعني أن من حق الشعب الفلسطيني أن يكون له سلطة وطنية كاملة مؤلفة من 3 سلطات: تشريعية وتنفيذية وقضائية، تماما كما هو معمول به في أي نظام سياسي ديمقراطي.